هل النساء ناقصات عقل؟؟
تعرَّض الإسلام، ولا يزال، لحملات عدائية شتى، منها موقفه من المرأة، ولا سيما من ناحية عقلها، حيث يُتَّهم الإسلام بأنه ينتقص من عقل المرأة وقدراتها، وأنه يحط منها بالمقارنة مع الرجال. هذا في الوقت الذي أثبت فيه العلم عدم وجود أي اختلاف في قدرات التفكير عند المرأة والرجل. كما أن الواقع يشهد بغير ذلك، حيث وصلت المرأة إلى أعلى المراتب والمناصب، وحققت إنجازات وإبداعات فكرية عديدة، لا سيما في العالم الغربي. مما يعني ببساطة، كما يزعمون، أن الإسلام يخالف العلم والواقع المحسوس، وأن أفكاره تتعارض وتتناقض مع هذه المعطيات المحسوسة المشهودة على أرض الواقع.
غير أن هناك من يقول بأن المرأة قد أتيحت لها فرصة عظيمة من حيث حرية العمل وإبراز إمكاناتها، ولكنها لم تُثبت أنها على قدم وساق مع الرجل. فالرجل هو الذي أفسح لها هذا المجال من الحرية، ومع ذلك لم تصل إلى كثير من المناصب العالية التي لا يزال يتربع عليها الرجل. كما أنه هو الذي أتى بالأفكار العظيمة والمبادئ والنظريات والاختراعات، وغير ذلك مما له شأن يذكر.
أساس هذه الاتهامات هو حديث صحيح يُعرف بحديث ناقصات عقل. وسوف نستعرض في هذه المقالة نص الحديث والقراءات السريعة الخاطئة له، ونبين أن وصف النساء بأنهن ناقصات عقل لا يحط من قدر عقولهن ولا من مكانتهن، لا سيما إذا تبين لنا أن هذا الوصف ينطبق أيضا على الرجال. كما أن أية امرأة مسلمة سوف تفخر بكونها كذلك إذا ما جرت المقارنة بينها وبين كثير من العظماء والزعماء والعلماء من الكفار الذين نفى الله عنهم العقل بالكلية، وأن عقولهم ومكانتهم لا تغني عنهم من الله شيئا إذ لم يتوصلوا بها إلى أن ينالوا رضوان الله وجنته. بل يمكن القول أن أية امرأة مسلمة هي أعقل من "اينشتاين" الذي يضرب بذكائه المثل، ولكنه لم يوصله إلى الدخول في الإسلام ولا نيل الجنة.
حديث ناقصات عقل
هذا الحديث رواه الشيخان)البخاري ومسلم(وأصحاب السنن، وهو صحيح الإسناد والمتن. وسوف نكتفي برواية مسلم، فقد روى رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار، رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن جَزْلة: وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن، وتَكْفُرْنَ العشير، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن. قالت يا رسول الله وما نقصان؟ قال: أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين). ومعنى الجَزْلة: أي ذات العقل والرأي والوقار، وتَكْفُرْنَ العشير: أي تُنكرن حق الزوج.
ولا يمكن فهم هذا الحديث بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة، وذلك في قوله تعالى: (واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى...) البقرة 282. فالعلاقة بين هذه الآية والحديث وثيقة الصلة، بل يكاد الحديث يُحيلنا إلى الآية صراحة.
الفهم الخاطئ للحديث والمناقض للواقع
من الواضح أن الذين يتهمون الإسلام بأنه ينتقص من عقل المرأة قد بنوا أفكارهم على الحديث السابق. فقد فهموا منه أن النساء ناقصات عقل، أي أن قدرات النساء على التفكير هي أقل من قدرات الرجال؛ جرياً على المعنى الدارج للعقل من أنه عضو التفكير، ولسان حالهم يقول إن جهاز التفكير عند المرأة أضعف من جهاز التفكير عند الرجل، وإن هذا ينطبق على أية امرأة وعلى أي رجل في الدنيا.
ولكن الحديث نفسه، جرياً على هذا المفهوم، يبين أن المرأة لا تقل في عقلها عن الرجل من حيث إنها ناقشت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها جزلة، أي: ذات عقل وافر، ومن حيث إن الواحدة منهن تَذهب بعقل اللبيب، أي الوافر العقل. فكيف تَذهب بعقله إذا لم تكن أذكى منه أو أنه ناقص عقل على أقل الاحتمالات؟
بالإضافة إلى ذلك فإن الإسلام يعتبر أن المرأة والرجل سواء أمام التكاليف الشرعية من حيث الأداء والعقوبة، فلو كانت المرأة ناقصة عقل، فكيف يكون أداؤها وعقوبتها بنفس المستوى الذي للرجل؟ فهذا ينافي العدل الذي يتصف به الله وينادي به الإسلام. فناقص العقل لا يُكلَّف بمثل ما يكلف به من هو أكمل منه عقلاً، ولا يُحاسب بنفس القدر الذي يُحاسب به، على فرض أن الرجل أكمل عقلاً من المرأة
ما هو التفكير؟
التفكير أمر مألوف لدى الناس يمارسه كثير منهم، ومع ذلك فهو من أكثر المفاهيم غموضاً وأشدِّها استعصاءً على التعريف. ولعلَّ مردَّ ذلك إلى أن التفكير لا يقتصر أمرُه على مجرد فهم الآلية التي يحصل بها، بل هو عملية معقدة متعددة الخطوات، تتداخل فيها عوامل كثيرة تتأثر بها وتؤثر فيها. فهو نشاط يحصل في الدماغ بعد الإحساس بواقع معيَّن، مما يؤدي إلى تفاعلٍ ذهنيٍّ ما بين قُدُرات الدماغ وهذا الإحساس والخبرات الموجودة لدى الشخص المفكر، ويحصل ذلك بناءً على دافعٍ لتحقيق هدف معين بعيداً عن تأثير المعوقات أو الموانع.
وعلى الرغم من تعدد الجوانب وكثرة العوامل المتداخلة والمؤثرة في التفكير والمتأثرة به، فان الأبحاث المستفيضة والكتابات الكثيرة حول الموضوع تؤكد أن عناصر التفكير الأساسية هي الإدراك الحسي والمعالجة والإنتاج. حيث يقوم الدماغ باستكشاف الخبرة وربطها مع الإدراك الحسي للخروج بالفكرة. وهذا ما تؤكد عليه أبحاث علم النفس والأعصاب والفلسفة والفكر الإسلامي، بالإضافة إلى البرامج العملية حول تنمية مهارات التفكير وتعليمه. وليس أدل على صدق هذا التصور من التطبيقات العملية التي نقوم بها في مجال تنمية مهارات التفكير وتطويرها وتحسينها بطريقة عملية تطبيقية.
علاقة العقل بالتفكير
ما يتبادر إلى الذهن، أو ما هو دارج على ألسنة الناس، هو أن "العقل" اسم لعضو التفكير، وليس الأمر كذلك، فليس في جسم الإنسان عضو اسمه "العقل" يمكن أن يُشار إليه بالبَنان. فالتفكير ـ كما بيّنا سابقاً ـ عملية متعددة الخطوات والمراحل، وليس يختص بها عضو معين واحد يصفها وصفاً شاملاً. وإنما هناك أكثر من عضو يمكن أن يشترك في عملية التفكير أو يخدمها، مثل العين والأذن وباقي الحواس والدماغ وما يرتبط به من الذاكرة والتخيل وغير ذلك.
ولم تُستخدم كلمة "العقل" في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة لتشير إلى عضو التفكير مطلقاً، كما لم ترد كلمة العقل على المصدرية في القرآن الكريم. وإنما استُخدمت هذه الكلمة بصيغة الجمع على: يعقلون وتعقلون ونعقل وعقلوه ويعقلها، وذلك في تسعة وأربعين موضعا. ولم ترد بصيغة الماضي إلا مرة واحدة، ووردت في باقي المواضع بصيغة الحاضر أو المستقبل. والمعنى المستفاد من هذه الصيغ غالبا هو لفت الانتباه للتفكير من أجل إدراك العاقبة واتخاذ خطوة نحو العمل. وهو بذلك يكون في معناه أوسع من مجرد التفكير؛ فنحن إذا فكرنا ننتج الفكرة، أما إذا عقلنا فندرك ما وراء هذه الفكرة من أبعاد متعلقة بالتصديق والعمل. فالسمة الأساسية للعقل وفق اصطلاح الكتاب والسنة هي إدراك العاقبة المنشودة والعمل لها والثبات على ذلك.
وقد لخص ابن تيمية ـ رحمه الله ـ المعنى اللغوي والشرعي للعقل أحسن تلخيص، فقال في الفتاوى: "العقل في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلاً، يراد به القوة التي يعقل بها، وعلوم وأعمال تحصل بذلك. وهو علم يعمل بموجبه، فلا يسمى عاقلا من عرف الشر فطلبه والخير فتركه". أما الأحاديث المتعلقة بالعقل فلم يصح منها شيء، فقد قال ابن حبان البستي: " لست أحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خيرا صحيحا في العقل ". وقال ابن تيمية:" أما حديث العقل فهو كذب موضوع عند أهل العلم بالحديث، ليس هو في شيء من كتب الإسلام المعتمدة".
التفكير عند المرأة والرجل
إن هذا التصور للتفكير يتعلق بالإنسان بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة، فهو ينطبق على كل منهما على حد سواء. ولذلك فان برامج تنمية وتعليم التفكير لا تميز بين الجنسين في هذه الناحية. ولا تَدُل معطيات العلم المتعلقة بأبحاث الدماغ والتفكير والتعلم على أي اختلاف جوهري بين المرأة والرجل من حيث التفكير والتعلم. كما لا تدل على اختلافٍ في قدرات الحواس والذكاء، ولا في تركيب الخلايا العصبية المكونة للدماغ، ولا في طرق اكتساب المعرفة. فلم تظهر الأبحاث المتعلقة بالدماغ فروقا جوهرية، إلا في حدود ضيقة لا تتجاوز ربع انحراف معياري واحد. فقد أكدت كثير من الأبحاث تماثل نصفي الدماغ عند النساء بشكل أكبر منه عند الرجال، لكن لم يتأكد أي شيء يدل على اختلاف في التفكير بناء على ذلك. معنى هذا أن المرأة والرجل سواءٌ بالفطرة من حيث عملية التفكير، ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا في الفروق الفردية، أي في مستوى الذكاء ودرجته، وليس في نوعيته.
التغيرات الجسدية والنفسية التي تتعرض لها المرأة
تتعرض المرأة لتغيرات جسدية كثيرة ومتكررة، وهذا لا يخفى على المرأة ولا على غيرها، ويمكن ملاحظته دون عناء. كما أن الأبحاث العلمية المستفيضة قد أظهرت التأثيرات النفسية التي تتعرض لها المرأة نتيجة مرورها بهذه الأحوال الجسدية. فالمرأة تأتيها الدورة الشهرية، وإذا حملت فإنها تمر في فترات ما قبل الحمل وما بعده وما بعد الولادة، وإذا أسقطت جنينها أو أجهضته تعرض جسدها لكثير من التغيرات. كما يمكن أن تعاني من عدم الخصوبة، أو العقم، والمرور بفترة اليأس وما يترتب على ذلك من تغيرات قبلها وبعدها. وهكذا فالمرأة تمر بفترات وتغيرات جسدية قد تعاني منها كثيرا، وقد يكون لذلك أثره البالغ على نفسيتها، وطريقة تعاملها مع الناس، وكذلك على طريقة تفكيرها.
فقد أكدت كثير من الأبحاث الطبية أن التغيرات الجسدية التي تمر بها المرأة تؤثر على نفسيتها فتعرضها للإصابة بالإحباط وقلة التركيز والكسل وتأثر الذاكرة قصيرة المدى عندها. كما قد تؤثر على سرعة الانفعال عندها، وتصيبها بالقلق والوهن وتغير المزاج والتوتر والشعور بالوحدة والبلادة وثقل الجسم. هذا بالإضافة إلى التغيرات التي تحصل في العوامل المؤثرة في الحركة والعمل والنشاط الذهني كدرجة الحرارة والضغط وزيادة الإفرازات الهرمونية المختلفة.
ماذا نستنتج من كل ذلك؟
* ليس في الآية ولا في الحديث ما يدل على أن قدرات التفكير عند المرأة أقل من قدرات الرجل، ولا أن الرجل يفكر بالنيابة عن المرأة. وهذا عام في باقي نصوص الكتاب والسنة، بدليل الخطاب الإيماني العام لكل من الرجل والمرأة، مما يؤكد على الوحدة الإنسانية في العقل والغرائز والحاجات العضوية عند كل منهما. هذا بالإضافة إلى العديد من النصوص التي تدلل على قدرة المرأة على التفكير والتصرف في أحلك المواقف، وهذا كثير في كل من الكتاب والسنة. وأما النصوص التي تجعل للرجل قوامة وميزات أخرى، فهي أحكام شرعية تتناسب مع طبيعة المجتمع الإسلامي، وليس لها علاقة بالقدرات العقلية.
* يشير الحديث إلى أن النساء ناقصات عقل، لكنه يعلل ذلك بكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد. وفي هذا إحالة إلى آية الدّيْن، والتي تعلل الحاجة إلى امرأتين بالضلال والتذكير. والضلال هو العدول عن الطريق المستقيم، ومنه النسيان، وقد يؤدي إليه. والتذكير فيه لفت الانتباه، ويتأثر بالحالة النفسية، وقد تحجبه كليا عن رؤية الحق والواقع. فالذي لا يرى إلا جانباً معيناً من الواقع ولا يرى غيره يكون تفكيره ناقصا سواء كان رجلاً أو امرأة.
* الكلام في كل من الآية والحديث هو عن أحكام إسلامية في مجتمع مسلم، والمرأة بحكم طبيعتها وعيشها في المجتمع الإسلامي خاصة تكون خبرتها أقل من الرجال إجمالاً، أي من حيث المعلومات وتعلقها بالواقع المعين، لا سيما في المجالات التي يقل تواجدها فيها. لذلك كان لا بد من الاستيثاق في الشهادة ليرتاح صاحب المعاملة المالية من حيث ضمان حقه.
* إذا ما أخذنا في الحسبان كل هذه الحقائق والوقائع، ثم قابلنا بينها وبين واقع العقل والتفكير، وواقع الآية والحديث، فإننا نخلص إلى أن نقص العقل ليس هو في قدرات التفكير ولا في تركيبة الدماغ، وإنما في العوامل المؤثرة في التفكير والعقل. وهو ينحصر على وجه التحديد في الخبرة، ومنها المعلومات، وفي موانع التفكير؛ فان كون المرأة المسلمة بعيدة عن واقع المجتمع والمعاملات المالية بالذات، فلا بد أن خبرتها أقل من الرجال المنخرطين في هذه المعاملات. كما أن المرأة تمر بتغيرات جسمانية تؤثر على حالتها النفسية، هذا بالإضافة إلى عاطفتها الزائدة التي يمكن أن تجعلها تنحاز في تفكيرها وفي قراراتها، كما لو كان المعني بالأمر ابنها مثلا فلا بد أنها ستميل إليه.
* إذن فالحديث عن أن المرأة ناقصة عقل جاء بالإشارة إلى آية الدين، ولا يعني أن الرجل لا يمكن أن يوصف بمثل هذا الوصف. بل هناك آيات قرآنية تنفي العقل عن كبراء القوم وعظمائهم من الكفار والمنافقين وأهل الكتاب. وهذا يعني أن الأمر طبيعي، وليس فيه أن قدرات المرأة على التفكير أقل من قدرات الرجل، ولا أنها ناقصة عقل بالمفهوم الشائع. فليس في نصوص الكتاب والسنة ما يشين المرأة من هذه الناحية ولا ما يحط من قدرها أبدا.
بقلم الكاتب/عزيز محمد أبو خلف
باحث إسلامي – جامعة الملك سعود.
نقلته لكم من موقع "لها اون لاين"
آمله ان يصحح المفهوم الخاطيء لهذا الحديث والذي من الغريب انه لا يزال سائدا بين شبابنا وبناتنا جاهلين الحكمه والمغزى الحقيقي له
.
.
.
.
.
تعرَّض الإسلام، ولا يزال، لحملات عدائية شتى، منها موقفه من المرأة، ولا سيما من ناحية عقلها، حيث يُتَّهم الإسلام بأنه ينتقص من عقل المرأة وقدراتها، وأنه يحط منها بالمقارنة مع الرجال. هذا في الوقت الذي أثبت فيه العلم عدم وجود أي اختلاف في قدرات التفكير عند المرأة والرجل. كما أن الواقع يشهد بغير ذلك، حيث وصلت المرأة إلى أعلى المراتب والمناصب، وحققت إنجازات وإبداعات فكرية عديدة، لا سيما في العالم الغربي. مما يعني ببساطة، كما يزعمون، أن الإسلام يخالف العلم والواقع المحسوس، وأن أفكاره تتعارض وتتناقض مع هذه المعطيات المحسوسة المشهودة على أرض الواقع.
غير أن هناك من يقول بأن المرأة قد أتيحت لها فرصة عظيمة من حيث حرية العمل وإبراز إمكاناتها، ولكنها لم تُثبت أنها على قدم وساق مع الرجل. فالرجل هو الذي أفسح لها هذا المجال من الحرية، ومع ذلك لم تصل إلى كثير من المناصب العالية التي لا يزال يتربع عليها الرجل. كما أنه هو الذي أتى بالأفكار العظيمة والمبادئ والنظريات والاختراعات، وغير ذلك مما له شأن يذكر.
أساس هذه الاتهامات هو حديث صحيح يُعرف بحديث ناقصات عقل. وسوف نستعرض في هذه المقالة نص الحديث والقراءات السريعة الخاطئة له، ونبين أن وصف النساء بأنهن ناقصات عقل لا يحط من قدر عقولهن ولا من مكانتهن، لا سيما إذا تبين لنا أن هذا الوصف ينطبق أيضا على الرجال. كما أن أية امرأة مسلمة سوف تفخر بكونها كذلك إذا ما جرت المقارنة بينها وبين كثير من العظماء والزعماء والعلماء من الكفار الذين نفى الله عنهم العقل بالكلية، وأن عقولهم ومكانتهم لا تغني عنهم من الله شيئا إذ لم يتوصلوا بها إلى أن ينالوا رضوان الله وجنته. بل يمكن القول أن أية امرأة مسلمة هي أعقل من "اينشتاين" الذي يضرب بذكائه المثل، ولكنه لم يوصله إلى الدخول في الإسلام ولا نيل الجنة.
حديث ناقصات عقل
هذا الحديث رواه الشيخان)البخاري ومسلم(وأصحاب السنن، وهو صحيح الإسناد والمتن. وسوف نكتفي برواية مسلم، فقد روى رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار، رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن جَزْلة: وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن، وتَكْفُرْنَ العشير، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن. قالت يا رسول الله وما نقصان؟ قال: أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين). ومعنى الجَزْلة: أي ذات العقل والرأي والوقار، وتَكْفُرْنَ العشير: أي تُنكرن حق الزوج.
ولا يمكن فهم هذا الحديث بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة، وذلك في قوله تعالى: (واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى...) البقرة 282. فالعلاقة بين هذه الآية والحديث وثيقة الصلة، بل يكاد الحديث يُحيلنا إلى الآية صراحة.
الفهم الخاطئ للحديث والمناقض للواقع
من الواضح أن الذين يتهمون الإسلام بأنه ينتقص من عقل المرأة قد بنوا أفكارهم على الحديث السابق. فقد فهموا منه أن النساء ناقصات عقل، أي أن قدرات النساء على التفكير هي أقل من قدرات الرجال؛ جرياً على المعنى الدارج للعقل من أنه عضو التفكير، ولسان حالهم يقول إن جهاز التفكير عند المرأة أضعف من جهاز التفكير عند الرجل، وإن هذا ينطبق على أية امرأة وعلى أي رجل في الدنيا.
ولكن الحديث نفسه، جرياً على هذا المفهوم، يبين أن المرأة لا تقل في عقلها عن الرجل من حيث إنها ناقشت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها جزلة، أي: ذات عقل وافر، ومن حيث إن الواحدة منهن تَذهب بعقل اللبيب، أي الوافر العقل. فكيف تَذهب بعقله إذا لم تكن أذكى منه أو أنه ناقص عقل على أقل الاحتمالات؟
بالإضافة إلى ذلك فإن الإسلام يعتبر أن المرأة والرجل سواء أمام التكاليف الشرعية من حيث الأداء والعقوبة، فلو كانت المرأة ناقصة عقل، فكيف يكون أداؤها وعقوبتها بنفس المستوى الذي للرجل؟ فهذا ينافي العدل الذي يتصف به الله وينادي به الإسلام. فناقص العقل لا يُكلَّف بمثل ما يكلف به من هو أكمل منه عقلاً، ولا يُحاسب بنفس القدر الذي يُحاسب به، على فرض أن الرجل أكمل عقلاً من المرأة
ما هو التفكير؟
التفكير أمر مألوف لدى الناس يمارسه كثير منهم، ومع ذلك فهو من أكثر المفاهيم غموضاً وأشدِّها استعصاءً على التعريف. ولعلَّ مردَّ ذلك إلى أن التفكير لا يقتصر أمرُه على مجرد فهم الآلية التي يحصل بها، بل هو عملية معقدة متعددة الخطوات، تتداخل فيها عوامل كثيرة تتأثر بها وتؤثر فيها. فهو نشاط يحصل في الدماغ بعد الإحساس بواقع معيَّن، مما يؤدي إلى تفاعلٍ ذهنيٍّ ما بين قُدُرات الدماغ وهذا الإحساس والخبرات الموجودة لدى الشخص المفكر، ويحصل ذلك بناءً على دافعٍ لتحقيق هدف معين بعيداً عن تأثير المعوقات أو الموانع.
وعلى الرغم من تعدد الجوانب وكثرة العوامل المتداخلة والمؤثرة في التفكير والمتأثرة به، فان الأبحاث المستفيضة والكتابات الكثيرة حول الموضوع تؤكد أن عناصر التفكير الأساسية هي الإدراك الحسي والمعالجة والإنتاج. حيث يقوم الدماغ باستكشاف الخبرة وربطها مع الإدراك الحسي للخروج بالفكرة. وهذا ما تؤكد عليه أبحاث علم النفس والأعصاب والفلسفة والفكر الإسلامي، بالإضافة إلى البرامج العملية حول تنمية مهارات التفكير وتعليمه. وليس أدل على صدق هذا التصور من التطبيقات العملية التي نقوم بها في مجال تنمية مهارات التفكير وتطويرها وتحسينها بطريقة عملية تطبيقية.
علاقة العقل بالتفكير
ما يتبادر إلى الذهن، أو ما هو دارج على ألسنة الناس، هو أن "العقل" اسم لعضو التفكير، وليس الأمر كذلك، فليس في جسم الإنسان عضو اسمه "العقل" يمكن أن يُشار إليه بالبَنان. فالتفكير ـ كما بيّنا سابقاً ـ عملية متعددة الخطوات والمراحل، وليس يختص بها عضو معين واحد يصفها وصفاً شاملاً. وإنما هناك أكثر من عضو يمكن أن يشترك في عملية التفكير أو يخدمها، مثل العين والأذن وباقي الحواس والدماغ وما يرتبط به من الذاكرة والتخيل وغير ذلك.
ولم تُستخدم كلمة "العقل" في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة لتشير إلى عضو التفكير مطلقاً، كما لم ترد كلمة العقل على المصدرية في القرآن الكريم. وإنما استُخدمت هذه الكلمة بصيغة الجمع على: يعقلون وتعقلون ونعقل وعقلوه ويعقلها، وذلك في تسعة وأربعين موضعا. ولم ترد بصيغة الماضي إلا مرة واحدة، ووردت في باقي المواضع بصيغة الحاضر أو المستقبل. والمعنى المستفاد من هذه الصيغ غالبا هو لفت الانتباه للتفكير من أجل إدراك العاقبة واتخاذ خطوة نحو العمل. وهو بذلك يكون في معناه أوسع من مجرد التفكير؛ فنحن إذا فكرنا ننتج الفكرة، أما إذا عقلنا فندرك ما وراء هذه الفكرة من أبعاد متعلقة بالتصديق والعمل. فالسمة الأساسية للعقل وفق اصطلاح الكتاب والسنة هي إدراك العاقبة المنشودة والعمل لها والثبات على ذلك.
وقد لخص ابن تيمية ـ رحمه الله ـ المعنى اللغوي والشرعي للعقل أحسن تلخيص، فقال في الفتاوى: "العقل في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلاً، يراد به القوة التي يعقل بها، وعلوم وأعمال تحصل بذلك. وهو علم يعمل بموجبه، فلا يسمى عاقلا من عرف الشر فطلبه والخير فتركه". أما الأحاديث المتعلقة بالعقل فلم يصح منها شيء، فقد قال ابن حبان البستي: " لست أحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خيرا صحيحا في العقل ". وقال ابن تيمية:" أما حديث العقل فهو كذب موضوع عند أهل العلم بالحديث، ليس هو في شيء من كتب الإسلام المعتمدة".
التفكير عند المرأة والرجل
إن هذا التصور للتفكير يتعلق بالإنسان بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة، فهو ينطبق على كل منهما على حد سواء. ولذلك فان برامج تنمية وتعليم التفكير لا تميز بين الجنسين في هذه الناحية. ولا تَدُل معطيات العلم المتعلقة بأبحاث الدماغ والتفكير والتعلم على أي اختلاف جوهري بين المرأة والرجل من حيث التفكير والتعلم. كما لا تدل على اختلافٍ في قدرات الحواس والذكاء، ولا في تركيب الخلايا العصبية المكونة للدماغ، ولا في طرق اكتساب المعرفة. فلم تظهر الأبحاث المتعلقة بالدماغ فروقا جوهرية، إلا في حدود ضيقة لا تتجاوز ربع انحراف معياري واحد. فقد أكدت كثير من الأبحاث تماثل نصفي الدماغ عند النساء بشكل أكبر منه عند الرجال، لكن لم يتأكد أي شيء يدل على اختلاف في التفكير بناء على ذلك. معنى هذا أن المرأة والرجل سواءٌ بالفطرة من حيث عملية التفكير، ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا في الفروق الفردية، أي في مستوى الذكاء ودرجته، وليس في نوعيته.
التغيرات الجسدية والنفسية التي تتعرض لها المرأة
تتعرض المرأة لتغيرات جسدية كثيرة ومتكررة، وهذا لا يخفى على المرأة ولا على غيرها، ويمكن ملاحظته دون عناء. كما أن الأبحاث العلمية المستفيضة قد أظهرت التأثيرات النفسية التي تتعرض لها المرأة نتيجة مرورها بهذه الأحوال الجسدية. فالمرأة تأتيها الدورة الشهرية، وإذا حملت فإنها تمر في فترات ما قبل الحمل وما بعده وما بعد الولادة، وإذا أسقطت جنينها أو أجهضته تعرض جسدها لكثير من التغيرات. كما يمكن أن تعاني من عدم الخصوبة، أو العقم، والمرور بفترة اليأس وما يترتب على ذلك من تغيرات قبلها وبعدها. وهكذا فالمرأة تمر بفترات وتغيرات جسدية قد تعاني منها كثيرا، وقد يكون لذلك أثره البالغ على نفسيتها، وطريقة تعاملها مع الناس، وكذلك على طريقة تفكيرها.
فقد أكدت كثير من الأبحاث الطبية أن التغيرات الجسدية التي تمر بها المرأة تؤثر على نفسيتها فتعرضها للإصابة بالإحباط وقلة التركيز والكسل وتأثر الذاكرة قصيرة المدى عندها. كما قد تؤثر على سرعة الانفعال عندها، وتصيبها بالقلق والوهن وتغير المزاج والتوتر والشعور بالوحدة والبلادة وثقل الجسم. هذا بالإضافة إلى التغيرات التي تحصل في العوامل المؤثرة في الحركة والعمل والنشاط الذهني كدرجة الحرارة والضغط وزيادة الإفرازات الهرمونية المختلفة.
ماذا نستنتج من كل ذلك؟
* ليس في الآية ولا في الحديث ما يدل على أن قدرات التفكير عند المرأة أقل من قدرات الرجل، ولا أن الرجل يفكر بالنيابة عن المرأة. وهذا عام في باقي نصوص الكتاب والسنة، بدليل الخطاب الإيماني العام لكل من الرجل والمرأة، مما يؤكد على الوحدة الإنسانية في العقل والغرائز والحاجات العضوية عند كل منهما. هذا بالإضافة إلى العديد من النصوص التي تدلل على قدرة المرأة على التفكير والتصرف في أحلك المواقف، وهذا كثير في كل من الكتاب والسنة. وأما النصوص التي تجعل للرجل قوامة وميزات أخرى، فهي أحكام شرعية تتناسب مع طبيعة المجتمع الإسلامي، وليس لها علاقة بالقدرات العقلية.
* يشير الحديث إلى أن النساء ناقصات عقل، لكنه يعلل ذلك بكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد. وفي هذا إحالة إلى آية الدّيْن، والتي تعلل الحاجة إلى امرأتين بالضلال والتذكير. والضلال هو العدول عن الطريق المستقيم، ومنه النسيان، وقد يؤدي إليه. والتذكير فيه لفت الانتباه، ويتأثر بالحالة النفسية، وقد تحجبه كليا عن رؤية الحق والواقع. فالذي لا يرى إلا جانباً معيناً من الواقع ولا يرى غيره يكون تفكيره ناقصا سواء كان رجلاً أو امرأة.
* الكلام في كل من الآية والحديث هو عن أحكام إسلامية في مجتمع مسلم، والمرأة بحكم طبيعتها وعيشها في المجتمع الإسلامي خاصة تكون خبرتها أقل من الرجال إجمالاً، أي من حيث المعلومات وتعلقها بالواقع المعين، لا سيما في المجالات التي يقل تواجدها فيها. لذلك كان لا بد من الاستيثاق في الشهادة ليرتاح صاحب المعاملة المالية من حيث ضمان حقه.
* إذا ما أخذنا في الحسبان كل هذه الحقائق والوقائع، ثم قابلنا بينها وبين واقع العقل والتفكير، وواقع الآية والحديث، فإننا نخلص إلى أن نقص العقل ليس هو في قدرات التفكير ولا في تركيبة الدماغ، وإنما في العوامل المؤثرة في التفكير والعقل. وهو ينحصر على وجه التحديد في الخبرة، ومنها المعلومات، وفي موانع التفكير؛ فان كون المرأة المسلمة بعيدة عن واقع المجتمع والمعاملات المالية بالذات، فلا بد أن خبرتها أقل من الرجال المنخرطين في هذه المعاملات. كما أن المرأة تمر بتغيرات جسمانية تؤثر على حالتها النفسية، هذا بالإضافة إلى عاطفتها الزائدة التي يمكن أن تجعلها تنحاز في تفكيرها وفي قراراتها، كما لو كان المعني بالأمر ابنها مثلا فلا بد أنها ستميل إليه.
* إذن فالحديث عن أن المرأة ناقصة عقل جاء بالإشارة إلى آية الدين، ولا يعني أن الرجل لا يمكن أن يوصف بمثل هذا الوصف. بل هناك آيات قرآنية تنفي العقل عن كبراء القوم وعظمائهم من الكفار والمنافقين وأهل الكتاب. وهذا يعني أن الأمر طبيعي، وليس فيه أن قدرات المرأة على التفكير أقل من قدرات الرجل، ولا أنها ناقصة عقل بالمفهوم الشائع. فليس في نصوص الكتاب والسنة ما يشين المرأة من هذه الناحية ولا ما يحط من قدرها أبدا.
بقلم الكاتب/عزيز محمد أبو خلف
باحث إسلامي – جامعة الملك سعود.
نقلته لكم من موقع "لها اون لاين"
آمله ان يصحح المفهوم الخاطيء لهذا الحديث والذي من الغريب انه لا يزال سائدا بين شبابنا وبناتنا جاهلين الحكمه والمغزى الحقيقي له
.
.
.
.
.
الخميس يناير 05, 2012 3:37 pm من طرف بنت القدس
» تهنئه بمناسبه عيد الاضحى المبارك
السبت أكتوبر 01, 2011 8:32 am من طرف مراد
» اسباب لاجلها البنات يحسدون الشباب ....أدخل وشوووووووف
الثلاثاء يناير 04, 2011 1:30 pm من طرف البنت الشرقيه
» بهدوء واحترام السلام عليكم
السبت ديسمبر 18, 2010 8:34 pm من طرف المقدسي
» كيف يحب الرجل..
الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 12:49 pm من طرف بسمه
» في خاطري كلمه ويمكن تبكيك!
الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 10:20 am من طرف بسمه
» الف الف الف مبروك ل ابو كرم
الأربعاء سبتمبر 29, 2010 7:40 pm من طرف مراد
» الاعضاء الاعزاء صباحكوا روعه
الأربعاء سبتمبر 29, 2010 10:20 am من طرف ابو كرم
» الشيخ رائد صلاح
الإثنين سبتمبر 27, 2010 7:01 pm من طرف مراد